إن صدور قرار المحكمة المختصة بالحكم على المدان بعقوبة سالبة للحرية وايداعه في احدى المؤسسات الإصلاحية لغرض المباشرة بفترة اصلاح الذات ، وان إيداعه في تلك المؤسسات هو لتأهيله تمهيدا لإعادة دمجه بالمجتمع وتبقى أنظار المدانين في تلك الفترة تترقب اصدار قرارات من السلطات المختصة التي قد تصدرها نتيجة لظروف مختلفة تراها مناسبة لإصدار العفو عن المدانين والمتهمين.
وحيث ان العفو الخاص عن المدانين والمتهمين هو من صلاحية رئيس الجمهورية في أغلب الدول التي يكون فيها نظام الحكم رئاسي أو برلماني او من صلاحية الملك في الدول التي يكون نظام الحكم فيها ملكي ، وتماشيا مع مبدأ قانونية الجريمة وان لاجريمة ولاعقوبة إلا بنص ، فإن إيجاد العقوبة بنص يقضي إيجاد نص بديل لإزالة الصفة الجرمية عن الفعل المرتكب.
وهذا مايعرف بتشريع قوانين العفو العام التي تنفي الصفة الجرمية عن الفعل وتزيل صفة الجاني عن المدان ، بعكس العفو العام الذي يسقط المتبقي من مدة العقوبة لأسباب سياسية او اجتماعية او انسانية.
وتماشيا مع أهداف دستور العراق لعام ٢٠٠٥ في بسط دعائم الديمقراطية وسيادة القانون ، فقد تضمن في طياته منح رئيس جمهورية العراق وبناء على توصية من رئيس الوزراء ولأسباب يرتئيها اصدار العفو الخاص عن المحكومين الذين أودعوا في المؤسسات العقابية عن الجرائم المرتكبة من قبلهم على ان لاتكون من الجرائم الارهابية او ذات الطابع الدولي او جرائم الفساد المالي والاداري .
ومنذ ظهور وباء كورونا في العراق بدأت مطالبات بعض الناشطين القانونيين وخبراء القانون لأصدار عفو عن المحكومين في المؤسسات العقابية وإطلاق سراحهم من المؤسسات الاصلاحية لخطورة الموقف الوبائي فيما يتعلق بتلك المؤسسات.
استجابة لذلك أصدر رئيس الوزراء المستقيل مذكرة الى رئاسة الجمهورية تتضمن طلبا بإصدار العفو الخاص عن المحكومين الذين أكملوا نصف مدة العقوبة أو الذين تبقى على مدة عقوبتهم سنة فأقل والمحكومين بعقوبة الحبس مدة تقل على سنة واحدة ، مع استثناء مجموعة من الجرائم التي تعد ذات طبيعة خطرة بذاتها أو لتعلق حقوق الافراد بها ، وكذلك شمول الرعايا الأجانب المخالفين لأحكام قانون الاقامة بالعفو الخاص ، مع استثناء من تم شموله سابقا بأحكام قانوني العفو المرقمين ١٩ لسنة ٢٠٠٨ و٢٧ لسنة ٢٠١٦ او من تم شموله بعفو خاص سابق .
وتعد هذه الخطوة احدى خطوات السلطات بغية الصفح عن المدانين وإعادتهم الى المجتمع لغرض منحهم فرصة اضافية للتعايش ضمن المجتمع ، ويشمل العفو الخاص في الاساس إسقاط باقي مدة العقوبة الاصلية دون العقوبات التبعية والتكميلية ، وان صدور المرسوم الجمهوري بالعفو الخاص عن الفئات التي ذكرت في توصية رئيس مجلس الوزراء المستقيل يتبعه وجوب تنفيذه من الجهات المختصة في حال عدم تعلق الفعل بالحقوق الخاصة مالم يكن هنالك مجنى عليه متمسك بحقه الجزائي والمدني.
علما ان التوصية المرفوعة من رئيس الوزراء الى رئيس الجمهورية لإصدار عفو خاص استندت الى المادة ٧٣ / اولاً من دستور العراق الدائم لعام ٢٠٠٥، وفي حقيقة الأمر أن التوصية وما جاء فيها لا تتعلق بالعفو الخاص كما في ظاهرها وإنما تتعلق بالعفو العام في مضمونها كون ان شمول المحكومين بالعفو عدا بعض المحكومين بالجرائم الارهابية والدولية وجرائم الفساد.
اضافة الى استثناء المشمولين من قوانين العفو السابقة يجعل من التوصية مشروع قانون عفو عام ، اذاً القرار هنا يتعلق بتنظيم قانوني عام ولا يتعلق بأشخاص بعينهم . لان من صفات القاعدة القانونية أن تكون عامة ومجردة وتنظم وضعاً قانونياً عاماً بدون النظر الى الاشخاص بذاتهم ، وهذا خلاف العفو الخاص الوارد في المادة ٧٣ من الدستور والمادة ١٥٤ من قانون العقوبات . والذي ينصرف بداهةً إلى اشخاص معينين بذواتهم وأن لا يتساوى الأثر بين العفو الخاص والعام . حتى لا يتساوى القرار الإداري مع قوة القانون .
علما ان اجراءات اصدار العفو الخاص تكون أسرع من إجراءات إصدار العفو العام الذي يتطلب تدخل تشريعي من قبل السلطات المختصة لغرض إصدار قانون لذلك .
لذلك نرى انه كان من الأسلم إعداد مشروع قانون وارساله الى البرلمان لتشريع قانون للعفو العام وفقاً لأحكام المواد القانونية ذات الصلة.