نظم قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم23 لسنة 1971 المعدل الاصول القانونية المطلوبة في اتخاذ الاجراءات القانونية في الشكاوي الجزائية والدعاوي وكل المتعلقات الجزائية ولحين استكمال الاجراءات واحالة الموضوع الى المحاكم المختصة واليوم سيتم عرض موضوع مهم في الشكاوي الجزائية الا وهو تحريك الشكوى الجزائية من قبل الوكيل دون حضور المشتكي شخصيا
أولًا: الأساس القانوني
نستند في هذه المذكرة إلى المادة (1/أولًا) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 (المعدل)، والتي نصت على ما يلي:
“تحرك الدعوى الجزائية بشكوى شفهية أو تحريرية تقدم إلى قاضي التحقيق أو المحقق أو أي مسؤول في مركز الشرطة من المتضرر من الجريمة أو من يقوم مقامه قانونًا أو من أي شخص علم بوقوعها، أو بإخبار يقدم إلى أي منهم من الادعاء العام.”
يتضح من هذا النص أن المشرّع أتاح إمكانية تحريك الشكوى الجزائية ليس فقط من قبل المتضرر المباشر، بل أيضًا من قبل “من يقوم مقامه قانونًا”، وهي عبارة تحتمل عدة تفسيرات قانونية، أبرزها الوكيل القانوني (المحامي) بموجب وكالة رسمية عامة أو خاصة.
ثانيًا: الإشكالية العملية في المحاكم
رغم وضوح النص، إلا أن التطبيق العملي في محاكم التحقيق لا يعكس ذلك، حيث يُصرُّ العديد من قضاة التحقيق على ضرورة حضور المشتكي شخصيًا لتدوين إفادته و”أداء اليمين القانونية”، كشرط أساسي لتحريك الشكوى والمضي في إجراءات التحقيق.
نورد في هذا السياق مثالًا واقعيًا:
تقدم أحد الموكلين بطلب إقامة شكوى جزائية ضد أشخاص زوروا وكالة باسمه تمكنهم من بيع داره الكائنة في بغداد. وبموجب وكالة قانونية صادرة من خارج العراق، تم تخويل المحامي بجميع الصلاحيات القانونية لتمثيله أمام الجهات المختصة.
لكن:
• رفض قاضي التحقيق في البداية تدوين إفادة المحامي، مشترطًا حضور المشتكي شخصيًا.
• وبعد قبول الإفادة على أنها “إخبار عن جريمة”، عاد القاضي وأوقف الإجراءات لاحقًا وأصر مجددًا على حضور المشتكي.
ثالثًا: تفسير قضائي غير مُقنع
عند البحث عن الأساس القانوني لهذا الإصرار القضائي، لم نجد سوى مبرر واحد متكرر، هو:
ضرورة أداء المشتكي لليمين القانونية على صحة شكواه.
لكن هذا التفسير:
• لا يجد سندًا صريحًا في القانون يمنع الوكيل من أداء الشكوى بالنيابة.
• يتعارض مع مبادئ المرونة الإجرائية في تحريك الدعوى الجزائية، لا سيما حين تتوافر الأدلة الجرمية الكافية.
رابعًا: الإجراءات البديلة المرهقة وغير المجدية
اقترح بعض القضاة حلًا بديلاً، وهو:
• أن يُدوِّن المشتكي إفادته لدى سفارة العراق في الدولة التي يقيم بها.
لكن هذا الحل يواجه صعوبات عملية جمة:
• عدم توافر السفارات في بعض الدول أو بُعد المسافة عنها.
• الحالة الصحية للمشتكي قد لا تسمح له بالتنقل حتى داخل الدولة المقيم فيها.
• طول وتعقيد الإجراءات الرسمية والمراسلات بين السفارات والمحاكم العراقية.
خامسًا: تساؤلات مشروعة
• أين دور الادعاء العام في حماية حق الدولة والمواطن في تحريك الدعوى؟
• هل من المنطقي تعطيل إجراءات جزائية واضحة وثابتة الأدلة بمجرد غياب شكلي للمشتكي؟
• لماذا يُربط تحريك الدعوى بحضور شخصي لا مبرر له عمليًا أو قانونيًا في كثير من الحالات؟
سادسًا: ملاحظات ختامية ومقترحات
إن ربط تحريك الدعوى بحضور المشتكي شخصيًا يمثل عائقًا غير مبرر أمام العدالة، خاصة في ظل ازدياد أعداد العراقيين المقيمين في الخارج، وارتباط مصالحهم داخل البلاد بأملاك وحقوق عرضة للاعتداء.
ولذلك نقترح:
1. تفسير موسع لعبارة “من يقوم مقامه قانونًا” لتشمل الوكيل القانوني فعليًا، لا نظريًا فقط.
2. تعديل التعليمات القضائية والإدارية بما يتيح للمحامي تحريك الشكوى دون حضور موكله، خاصة عند وجود وكالة تخوله بذلك صراحة.
3. اعتماد إجراءات مرنة ومحدثة تراعي التغييرات الاجتماعية وظروف الغربة، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية الآمنة لتوثيق الإفادات.
4. تفعيل دور الادعاء العام في تحريك الدعوى مباشرة في حال توفر الدليل الجدي، دون الاعتماد الحصري على الشكوى الشخصية.
خاتمة
إن العدالة الحقيقية لا تتحقق بالتقييد الشكلي للنصوص، بل بفهم روحها ومقاصدها. وإننا، كمجتمع قانوني، مدعوون إلى مراجعة هذه الإجراءات بما ينسجم مع تطور الزمان والمكان وواقع المجتمع العراقي.
“العدل أساس الملك، والمرونة في الإجراء ليست ضعفًا في تطبيق القانون، بل تجسيد لحكمته.”
المحامي فرات عبد العظيم كبة
المدير المفوض – شركة النسور للمحاماة والاستشارات القانونية